الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وكانوا يفلعون ذلك إذا اجتمعت العرب في الموسم وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أن أول من سن النسيء عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف والذي صح من حديث أبي هريرة وعائشة أن عمر بن لحي أول من سيب السوائب وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت عمر بن لحي يجر قصبه في النار فهذا ما ورد في تفسير النسيء الذي ذكره الله في قوله تعالى: {إنما النسيء زيادة في الكفر} يعني زيادة كفر على كفرهم وسبب هذه الزيادة أنهم أمروا بإيقاع كل فعل في وقته من الأشهر الحرم ثم إنهم بسبب إغراضهم الفاسدة أخروه إلى وقت آخر بسبب ذلك النسيء فأوقعوه في غير وقته من الأشهر الحرم فكان ذلك الفعل زيادة في كفرهم {يضل به الذين كفروا} وقرئ: يضل بفتح الياء وكسر الضاد ومعناه يضل الله به الذين كفروا أو يضل به الشيطان الذين كفروا بتزيين ذلك لهم وقيل يضل بالنسيء الذين كفروا وقرئ يضل بضم الياء وفتح الضاد ومعناه أن كبارهم أضلوهم وحملوهم عليه وقرئ يضل به الذين كفروا بضم الياء وكسر الضاد ومعناه يضل به الذين كفروا تابعيهم والآخذين بأفعالهم وهذا الوجه أقوى الوجهين في تفسير قراءة من قرأ يضل بضم الياء وكسر الضاد {يحلونه عامًا ويحرمونه عامًا} يعني يحلون ذلك الإنساء عامًا ويحرمونه عامًا والمعنى يحلون الشهر المحرم عامًا فيجعلونه حلالًا ليغيروا في ويحرمونه عامًا فيجعلونه محرمًا فلا يغيرون فيه {ليواطئوا} يعني ليوافقوا {عدة ما حرم الله} يعني أنهم ما أحلوا شهرًا من المحرم إلا حرموا شهرًا مكانه من الحلال ولم يحرموا شهرًا من الحلال إلا أحلوا مكانه شهرًا من الحرام لأجل أن يكون عدد الأشهر الحرم أربعة كما حرم الله فيكون ذلك موافقة في العدد لا في الحكم فذلك قوله سبحانه وتعالى: {فيحلوا ما حرم الله زين له سوء أعمالهم} قال ابن عباس: زين له الشيطان هذا العمل {والله لا يهدي القوم الكافرين} يعني أنه سبحانه وتعالى لا يرشد من هو كافر أثيم لما سبق له في الأزل أنه من أهل النار. اهـ.
وقال آخر: وأخبر أنّ النسيء زيادة في الكفر أي: جاءت مع كفرهم بالله، لأن الكافر إذا أحدث معصية ازداد كفرًا.قال تعالى: {فزادتهم رجسًا إلى رجسهم} كما أنّ المؤمن إذا أحدث طاعة ازداد إيمانًا.قال تعالى: {فزادتهم إيمانًا وهم يستبشرون} وأعاد الضمير في به على النسيء، لا على لفظ زيادة.وقرأ ابن مسعود والأخوان وحفص: يضل مبنيًا للمفعول، وهو مناسب لقوله: زين، وباقي السبعة مبنيًا للفاعل.وابن مسعود في رواية، والحسن ومجاهد وقتادة وعمرو بن ميمون ويعقوب: يضل أي الله، أي: يضل به الذين كفروا اتباعهم.ورويت هذه القراءة عن: الحسن، والأعمش، وأبي عمرو، وأبي رجاء.وقرأ أبو رجاء: يضل بفتحتين من ضللت بكسر اللام، أضلَّ بفتح الضاد منقولًا، فتحها من فتحة اللام إذ الأصل أضلل.وقرأ النخعي ومحبوب عن الحسن: نُضل بالنون المضمومة وكسر الضاد، أي: نضل نحن.ومعنى تحريمهم عامًا وتحليلهم عامًا: لا يرادان ذلك، كان مداولة في الشهر بعينه عام حلال وعام حرام.وقد تأول بعض الناس القصة على أنهم كانوا إذا شق عليهم توالي الأشهر الحرم أحل لهم المحرم وحرم صفرًا بدلًا من المحرم، ثم مشت الشهور مستقيمة على أسمائها المعهودة، فإذا كان من قابل حرم المحرم على حقيقته وأحل صفر ومشت الشهور مستقيمة، وإنَّ هذه كانت حال القوم.وتقدم لنا أنّ الذي انتدب أولًا للنسيء القلمس.وقال ابن عباس وقتادة والضحاك: الذين شرعوا النسيء هم بنو مالك من كنانة وكانوا ثلاثة.وعن ابن عباس: إنّ أول من فعل ذلك عمرو بن لحيّ، وهو أول من سيب السوائب، وغيَّر دين إبراهيم.وقال الكلبي: أول من فعل ذلك رجل من بني كنانة يقال له: نعيم بن ثعلبة.والمواطأة: الموافقة، أي ليوافقوا العدة التي حرم الله وهي الأربعة ولا يخالفونها، وقد خالفوا التخصيص الذي هو أصل الواجبين.والواجبان هما العدد الذي هو أربعة في أشخاص أشهر معلومة وهي: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة والمحرم كما تقدم.ويقال: تواطؤا على كذا إذا اجتمعوا عليه، كان كل واحد منهم يطأ حيث يطأ صاحبه.ومنه الإيطاء في الشعر، وهو أن يأتي في الشعر بقافيتين على لفظ واحد ومعنى واحد، وهو عيب إنْ تقارب.واللام في ليواطئوا متعلقة بقوله: {ويحرمونه}، وذلك على طريق الأعمال.ومَنن قال: إنه متعلق بيحلونه ويحرمونه معًا، فإنه يريد من حيث المعنى، لا من حيث الإعراب.قال ابن عطية: ليحفظوا في كل عام أربعة أشهر في العدد، فأزالوا الفضيلة التي خص الله بها الأشهر الحرم وحدها، بمثابة أن يفطر رمضان، ويصوم شهرًا من السنة بغير مرض أو سفر انتهى.وقرأ الأعمش وأبو جعفر: ليواطيوا بالياء المضمومة لما أبدل من الهمزة ياء عامل البدل معاملة المبدل منه، والأصح ضم الطاء وحذف الياء لأنه أخلص الهمزة ياء خالصة عند التخفيف، فكنت لاستثقال الضمة عليها، وذهبت لالتقاء الساكنين، وبدلت كسرة الطاء ضمة لأجل الواو التي هي ضمير الجماعة كما قيل في رضيوا رضوا.وجاء عن الزهري: ليواطيوا بتشديد الياء، هكذا الترجمة عنه.قال صاحب اللوامح: فإن لم يرد به شدة بيان الياء وتخليصها من الهمز دون التضعيف، فلا أعرف وجهه انتهى.فيحلوا ما حرم الله أي بمواطأة العدة وحدها من غير تخصيص ما حرم الله تعالى من القتال، أو من ترك الاختصاص للأشهر بعينها.وقرأ الجمهور: {زين لهم سوء أعمالهم} مبنيًا للمفعول.والأولى أن يكون المنسوب إليه التزيين الشيطان، لأن ما أخبر به عنهم سيق في المبالغة في معرض الذم.وقرأ زيد بن علي: {زيِّن لهم سوء} بفتح الزاي والياء والهمزة، والأولى أن يكون زين لهم ذلك الفعل سوء أعمالهم.قال الزمخشري: خذلهم الله تعالى فحسبوا أعمالهم القبيحة حسنة.والله لا يهدي أي: لا يلطف بهم، بل يخذلهم انتهى.وفيه دسيسة الاعتزال.وقال أبو علي: لا يهديهم إلى طريق الجنة والثواب.وقال الأصم: لا يحكم لهم بالهداية.وقيل: لا يفعل بهم خيرًا، والعرب تسمي كل خير هدى، وكل شر ضلالة انتهى.وهذا إخبار عمن سبق في علمه أنهم لا يهتدون. اهـ.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أولُ من سنَّ النسيءَ عمرُ بنُ قُمعةَ بن خندِفَ والجملتان تفسيرٌ للضلال أو حالٌ من الموصول والعاملُ عاملُه {لّيُوَاطِئُواْ} أي ليوافقوا {عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله} من الأشهر الأربعةِ واللام متعلقةٌ بالفعل الثاني أو بما يدل عليه مجموعُ الفعلين {فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ الله} بخصوصه من الأشهر المعينة {زُيّنَ لَهُمْ سُوء أعمالهم} وقرئ على البناء للفاعل وهو الله سبحانه والمعنى جَعلَ أعمالَهم مشتهاةً للطبع محبوبةً للنفس وقيل: خَذَلهم حتى حسِبوا قبيحَ أعمالِهم حسنًا فاستمروا على ذلك {والله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين} هدايةً موصلةً إلى المطلوب ألبتةَ وإنما يهديهم إلى ما يوصل إليه عند سلوكِه وهم قد صدّوا عنه بسوء اختيارِهم فتاهوا في تيه الضلال. اهـ.
|